
قضية التعليم فى مصر هى قضية أمن قومى، فبالتعليم والبحث العلمى الجيد ترتقى وتتقدم الأمم، ولا شك أن مجموع الثانوية العامة ثم التقدم إلى مكتب تنسيق القبول والجامعات من الأشياء النادرة التى لم تطالها يد الواسطة والمحسويية، ويتحقق فيها العدالة بين الجميع سواء طالب غنى أو فقير، أو إبن صاحب سلطة أو إبن مواطن بسيط.
وفى عام ١٩٩٦ صدر قرار جمهورى بإنشاء أول أربع جامعات خاصة فى مصر ثم تلاها إنشاء العديد من تلك الجامعات حتى وصلت الآن إلى ٢٧ جامعة خاصة معتمدة فى مصر.
ومع بداية تلك الجامعات، بدأت مرحلة جديدة من خريطة التعليم الجامعي فى مصر، فهذة الجامعات الخاصة أدخلت تخصصات وكليات جديدة لم تكن موجودة فى الجامعات الحكومية ويُقدم فيها تعليم جيد، و للحقيقة أيضا ان الكليات الكبيرة مثل الهندسة، والطب بفروعه (بشرى واسنان وصيدلة وبيطري) كان من يلتحق بها من فاتهم مجموع مكتب التنسيق على درجة أو اثنتين أو ثلاث على الأكثر، أي أن هؤلاء الطلبة على نفس درجه تفوق زملائهم بفارق ضئيل.
وفى عام ٢٠٢٠ بدأت فى الظهور نوعية جديدة من الجامعات تُسمي الجامعات الأهلية وكان أولها جامعة الجلالة ثم تلاها إنشاء عديد من تلك الجامعات وحتى الجامعات الحكومية قامت بإنشاء فروع لها من الجامعات الأهلية ولكن بمصاريف مرتفعة بهدف تحقيق الربح، ولكن ما يدعو للأسف والآسى أن مجموع الإلتحاق بكليات هذة الجامعات يقل بكثير جدا عن الكليات مثيلتها بمكتب تنسيق القبول وذلك مقابل ما سيتم دفعه من مصاريف مرتفعة فى تلك الجامعات.
على سبيل المثال، الحد الأدنى للقبول بكلية الطب البشري في مكتب التنسيق ٩٣٪، بينما في الجامعات الخاصة والأهلية ٨١٪ أي بفارق ١٢٪ !!!، وطب الأسنان ٩٢.٦ بينما في الخاصة الأهلية ٧٩٪، والقبول في كلية الصيدلة ٩١.٨ بينما في الخاصة والأهلية ٦٧٪، والحد الأدنى للقبول بكليات الهندسة ٨٩.٨ بمكتب التنسيق بينما في الجامعات الخاصة والأهلية ٦١٪، اى بفارق ٢٨.٨ ٪ ؟!؟!، فما كل هذا الفارق وهذا التباين الكبير جدا ؟.

والأسئلة التى تطرح نفسها وتبحث عمن يُجيب عليها إذا كنا نريد حقاً تعليماً جيداً وتخريج طلاب على درجه من الكفاءة تؤهلهم لسوق العمل وخدمة الوطن:
هل يصح ويُعقل أن يستوى الطالب المجتهد الحاصل على مجموع ٩٣٪ بكلية الطب مع طالب يقل عنه بفارق ٣٨ درجة ؟ هل يصح وُيعقل أن يكون هناك طالب فاتته كلية الطب أو الهندسة مثلا بمكتب التنسيق على درجة واحدة، بينما هناك طالب آخر أقل عنه ب ٣٥ درجه والتحق هو بكلية الطب أو الهندسة بينما الآخر التحق بكليه العلوم أو التربية لأن هذا يمتلك مصاريف دخول الجامعات الخاصة الأهلية وذاك لا يمتلك دون أن يكون له ذنب في نشأته في أسرة بسيطة الحال ؟ وهل أصحاب المجاميع المتدنية الذين سيلتحقون بكليات سيكون خريجوها مسؤلين عن حياة الناس يمكن الإعتماد عليهم والثقة في أعمالهم و خبراتهم ؟.
أليس ما يحدث بهذا الشكل يفتقر إلى أدنى معايير العدالة؟ أليس ما يحدث بهذا الشكل ينشر الإحباط ويؤجج الأحقاد بين الطلاب في هذه السن عندما يجدوا أن السياسة التعليمية تنحاز وتفضل أبناء الطبقة الميسورة الحال على الطلاب المجتهدين الفقراء، وأن المال هو معيار التفضيل ؟.
هل هناك من سيستمع ويُعيد الأمور إلى مسارها الصحيح كما كان الوضع مع بداية إنطلاق الجامعات الخاصة بأن يكون الفارق في المجموع للإتحاق بنفس الكلية بين الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية درجتين أو ثلاث على الأكثر لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع ؟.
وندائى الاخير لأصحاب القرار من أجل أن يكون لدينا تعليم حقيقي ومن أجل أن يكون لدينا خريجون مجتهدون ومتميزون وموثوق بهم .. لا تجعلوا الربح من المصاريف الدراسية هو معياركم الأول والأوحد للتفضيل بين الطلاب لإلتحاق بالكليات، وخاصة التى سيتعامل خريجوها مع حياة الناس، أستحلفكم بالله أفيقوا من هذه الغفوة والغفلة من أجل الوطن ومواطنيه قبل أن يدفع المجتمع بأكمله الثمن خلال السنوات القادمة، والذي سيكون ثمناً غاليا جداً.






